الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في فيلم "كافيشانتا" لهشام بن عمار: شهادات نادرة لحمادي لغبابي وعبد اللطيف الغزي عن عوالم الكافيشانتا

نشر في  29 نوفمبر 2016  (10:58)

ماذا تبقى من الكافيشانتا اليوم؟ هذه الفضاءات التي كانت تتحول خلال شهر رمضان بجهة باب سويقة الى مدارات للفن الشعبي ويؤمها المتفرجون بالآلاف؟ إلى جانب بعض الشهود الذين مازالوا على قيد الحياة وبعض التسجيلات الموجودة بمؤسسة التلفزة التونسية، يمثل فيلم «كافيشانتا» الذي أخرجه هشام بن عمار سنة 1998 شهادة حيّة عن عصر أفل نجمه مع نهاية التسعينات بينما عرف بداياته مع «ولد الجلابة» و«قنفيدة» وغيرهما من الراقصين الذين كانوا يقدمون عروضا فنية في محلات الجزارة والمخازن على وقع الأنغام الشعبية التونسية، ثمّ لامس أوجّه مع شافية رشدي وفتحية خيري في صالات الفتح وصولا الى محرز القريوي ولمين الوشتاتي منشط الحفلات.

ومن الشهادات التي قدمها الفيلم تلك التي جاءت على لسان حمادي اللغبابي الذي قال إنّ باب سويقة كان المنبع للموسيقى والسياسة مستحضرا أسماء أولى الراقصات ومنهن بحرية ومامية وزهرة لمبوبة، وشهادة الراقصة نعيمة بكير التي تحدثت بكثير من الحنين عن حقبة اجتماعية وفنية لم تعد قائمة، وشهادة الفنان عبد اللطيف الغزي الذي قال إنّ هناك من كان يريد التوجه لصلاة التراويح بعد إفطار رمضان بينما يتوجه آخرون للكافيشانتا مؤكدا على الطابع الإنساني الجميل الذي كان قائما، ومن النوادر التي ذكرها الغزي كيف طلب منه كوميسار المنطقة ان لا يغني أغنية «عندها» فحوّلها الى «عندنا».

بين الموسيقى الشعبية الصاخبة بإيقاع الحياة والشهادات التي تتحدى النسيان وفضاء باب سويقة المميز بمعماره وبنسق حياة ناسه، يرسم هشام بن عمار في فيلمه بورتريه لعالم الكافيشانتا في تونس بما فيه من ثراء فني ومن قصص شخصية تحدت التقاليد في بعض الأحيان وكشفت المعاناة الفردية في بعض الأحيان الأخرى. ولعل المقطع الذي يبرز حمادي اللغبابي بلباسه الاصفر مرفوقا بعازف الإيقاع، وهو بصدد تلقين بعض خطوات الرقص ستظل عالقة بذهننا لما فيها من بعد فني حالم يعكس معالم حقبة فنية وزمنية خاصة.

وحول ظروف إنجاز الفيلم، قال هشام بن عمار، بعد عرض الشريط بمبادرة من نادي سينما تونس بقاعة الفن الرابع يوم السبت 26 نوفمبر، إنّه التقى حطاب بوقرة صاحب قاعة الفتح نهاية التسعينات بباب سويقة فأعلمه أنّه سيغلق قاعته بسبب غياب الجمهور.. فما كان من هشام بن عمار الا أن اقترح على المنتج رياض ثابت انجاز فيلم وثائقي حول الكافيشانتا، وقد تمّ تصوير الفيلم خلال شهر رمضان 1998..

واعتبر بن عمار أن فيلمه كان «نشازا» ولم يهتم به أحد حتى أن وزارة الثقافة لم تدعمه لا ماديا ولا من ناحية الأرشيف الذي لم يتمكن من استغلاله إلاّ بعد سنة ونصف من الانتظار... وقال بن عمار إنّ شريطه الذي لم يتم عرضه الا في فترة وجيزة كان بمثابة «un carnaval paien, festif et débridé» أي ذا طابع كرنفالي شعبي احتفائي حرّ، مُعترفا في نفس الوقت بأنّه كان «متفرنسا» ودرس بمعهد كارنو، ومع حرب الخليج، خالجته أسئلة حول نفسه وهويته ومسؤوليته إزاء بلده، فكان التوجه نحو انجاز أفلام وثائقية تنبش في الذاكرة وفي الهوية التونسية ومن الأفلام التي أخرجها بن عمار الى جانب «كافيشانتا»، «رايس لبحار» و«شفت النجوم في القايلة» و«الذاكرة السوداء» وهي أفلام بحثت في عوالم تونسية مخصوصة لم تعد موجودة اليوم.. عوالم طواها الزمن ولفها النسيان لكنّ أفلام بن عمار صورتها ووثقتها لتظل قائمة الذات ولو على أشرطة سينمائية.

شيراز بن مراد